يسرنا ان نقدم لكم اليوم في هذا الموضوع من خلال موقع قصص وحكايات قصة القاضي الحكيم ، قصة رائعة جدا للاطفل الصغار وللكبار كذلك قصة مفيدة جدا ومعبرة وللمزيد من القصص الرائعة يمكنكم تصفح: قصص وعبر.
أيمكنك يا جدي، أن تروي لي حكاية قبل أن أنام؟ ضحك الجد لما قاله حفيده الذي في العاشرة من عمره... وقال : هل مازلت راغبا في سماع حكاياتي؟ رد الحفيد : بالتأكيد، فإن عندك ما يمتعني وينسيني مرضي وضجري ! رد الجد : حسنا... كان يا ما كان في قديم الزّمان، ملك عادل يحب شعبه ويسعى جاهدا لإشعاره بالراحة والسلام. وكان لتحقيق ذلك، قد أنشأ في كل منطقة، محكمة يرأسها قاض ينظر وحده وبسرعة، في كل دعوى أو شكوى.
ذات يوم، جاء مستشار الملك يعلمه بنزاهة أحد القضاة وعدله، وهذان كانا موضع إعجاب الناس وتقديرهم. ففرح الملك لما سمعه وقرّر أن يطلع على ذلك بنفسه، فخرج من قصره قاصدا المنطقة حيث القاضي العادل، متنكّراً بزيّ فقير معدم، لا يملك من هذه الدنيا سوى ثياب بالية وحصان... أما زلت تسمعني؟ رد الحفيد : طبعاً جدّي، أكمل من فضلك، أكمل الجد قصته... في طريقه، صادف الملك رجلاً محموماً فأشفق عليه وأركبه حصانه وتابع سيره وهو يفكر في ضرورة زيارة المصحات التي تعتني بالفقراء المدقعين، ولما بلغ الملك المتنكّر المنطقة المقصودة، توقّف أمام مستوصف وطلب من الرّجل المحترم أن يدخله لتلقي العلاج المناسب، لكن الأخير رفض ذلك لانّه يرغب في الذهاب إلى بيته.
عندئذ طالبه الملك المتنكّر بإعادة الحصان إليه، فادعى الرجل المحموم بوقاحة ملكيته، قال الحفيد : أرأيت يا جدي.. هذا جزاء فاعل الخير ! قال الجد : إنتظر يا بني ولا تتسرع في إطلاق الأحكام ! قال الحفيد : أيعقل أن يتصرف ملك بهذه الطّريقة؟ رد الجد : لما لا؟ إنّ كبير القوم خادمهم ! قال الحفيد : ولكن... رد الجد : كفّ عن مقاطعتي.. دعني أكمل قبل أن أنسى حكايتي ! رد الحفيد : لا بأس... واصل الجد حكايته... حاول الملك المتنكّر أن يقنع الرّجل المحموم بالإقلاع عن ادعائه ملكيّة الحصان، لكنه لم ينجح في ذلك، فقرّر أن يرافعه إلى القاضي، ضارباً في الوقت نفسه عصفورين بحجرة واحدٍ : إثبات ملكيّته الحصان وتأكده من عدل القاضي.
توجه الملك المتنكّر إلى المحكمة، فوجد عدداً من المتخاصمين. وقد لفت انتباهه رجلان كانا أمامه، يدعى كل منهما ملكيّة سيف مهند، مذهب الغمد، ولما انتهيا من عرض مشكلتهما، تقدم الملك المتنكر وأوجز للقاضي ما يشكو منه، طالبا العدل في الحكم، وبعد أن فرغ القاضي من الاستماع الى الشكاوي، أعلن عن حجز كل ما هو متخاصم عليه كالسيف والحصان وسواهما، حتى إصدار الحكم يوم غدٍ، وطلب إخلاء قاعة المحكمة، إنصرف المتخاصمون، لكنّ الأكثر دهشة واستغراباً بينهم، كان الملك المتنكّر، فهو لم ير القاضي يستمع إلاّ إلى المشكلة يعرضها أحد المتخاصمين، فكيف يكون عادلاً في حكمه إذا لم يستمع إلى الطّرفين؟
قال الحفيد : الملك محق يا جدّي ! في المدرسة، يستمع النّاظر دائماً إلى التّلميذين المتشاجروين، قبل أن يلقي المسؤوليّة على أحدهما !رد الجد : هذا في المدرسة، أمّا في المحكمة، فالأمور مختلفة قال الحفيد : تحاول دائما إسكاتي بالأعذار والحجج... قال الجد : أحاول الحد من تسرعك في إبداء الرأي ومن مقاطعتك لي ! قال الحفيد : عذرا، واصل الجد قصته ... أمضى الملك المتنكّر ليلته يسير في الشوارع، مطلعا عن قرب على حياة أفراد شبعه وعلى همومهم ومشاكلهم، وقد هاله أن يرى أطفالاً يهيمون حفاة، لا تغطي أجسادهم إلاّ خرق محا الزمن لونها، لا بيوت لهم ولا أهل. كما ضايقه أن يرى شبّانا يتخذون الأرض فراشاً والفضاء لحافاً، فقراء ومتشردين وجاهلين، بدلاً من أن يكونوا القوّة المحركة في المجتمع، والعاملة على ورقيه.
ذلك كله دفع الملك المتنكّر إلى اتخاذ عدد من القرارات لمواجهة مشاكل رعيته واضعا نصب عينيه أهدافاً سيعمل على تحقيقها، منها إدخال كل طفل مدرسة وتعليم كل شخصٍ مهنة، فيختفي المتشردون العاطلون عن العمل من الطرقات ويكون عندئذ لكل شخص عاملٍ بيت يأويه، وأخيراً، أطبق النعاس والتعب جفني الملك، فنام كالمتشردين على قارعة الطريق، وأنت ألا تريد أن تنام؟ رد الحفيد : أنا؟ كيف أنام وأنت لمّا تنه لي الحكاية بعد؟ قال الجد : حسنا، أتابع... إستيقظ الملك المتنكر باكرا ليراقب الحياة تعود إلى الشوارع، بعد أن غلبت سكون الليل البهيم، وقرّر الانطلاق إلى المحكمة لسماع حكم القاضي، وصل الملك المتنكّر إلى المحكمة، فإذا بقاعتها تعج بالمتخاصمين.
وما هي إلاّ لحظات حتى دخل القاضي ومعاونه، وراح يقرأ الأحكام المبركة التي انتهى إليها في شأن عددٍ من الدّعاوى، ثم التفت إلى الذين لم تذكر قضاياهم وقال إنه يريد التثبت من بعض الأمور قبل إصدار أحكامه النّهائية فيها، وهنا طلب من المتخاصمين حول ملكيّة السّيف أن يقتربا منه وأن يبسط كل منهما كفّ يده اليمنى فكفّ يده اليسرى، ثم أمر حاجب المحكمة بتسليم السّيف إلى كفّ يده اليمنى فكفّ يده اليسرى، ثم أمر حاجب المحكمة بتسليم السيف إلى أحدهما وبسجن الاخر. بعد ذلك، دعا القاضي المتخاصمين حول ملكية الحصان إلى الإسطبل، حيث طلب منهما التعرف إلى الحصان مربوطاً بين خمسة أحصنة، ففعلا، ثم أمر الحاجب بحبس الرجل المحموم الذي كان قد شفي.
رد الحفيد : جدي، علام اتكل القاضي لإصدار حكميه؟ قال الجد : هذا هو السّؤال الذي طرحه الملك على نفسه أيضا؟، ولكنّ السؤال بقي بدون بدون جواب، فقرّر زيارة القاضي في منزله لتعريفه بنفسه وللأستفسار عن الأمر، قال الحفيد : وهل زار الملك القاضي؟قال الجد : طبعاً، وبعد أن عرف القاضي هوية صاحب الحصان، سرّ كثيراً لأنّ الملك قد شرفه بهذه الزّيارة. لكم الملك المتواضع ردّ بقوله إنّه قد تشرّف بالتّعرف إلى شخص ذي نزاهة وحكمة، وأفصح عن هدف زيارته، فشرح له القاضي كلّ شيء.. تعجّب الملك لما سمعه وأمر للقاضي بجائزة ماليّة، وشجّعه على متابعة خدمة النّاس والحفاظ على حقوقهم، قال الحفيد : هذا عظيم يا جدّي، لكنك لم تخبرني ما قاله القاضي للملك !
قال الجد : سأترك ذلك ليوم غد... رد الحفيد : لا جدي.. أريد أن أعرف ما... قال الجد : أثقل النعاس جفنيك وأصاب الأحمرار عينيك ! رد الحفيد : هذا غير مهم... هيّا جدي... تابع... طلب القاضي من المتخاصمين حول ملكيّة السّيف أن يبسطا أكفهما، ليلاحظ إن كانت ناعمة البشرة أو خشنة، فمن يضرب بسيف ذي وزن ثقيل كهذا، لا يمكن أن تكون كفه ناعمة الجلد وطريّة. أمّا في ما يتعلق بالحصان فقد تعرف المتخاصمان إليه بدون صعوبة، لكنّ الحصان لم يتعرّف إلا إلى أحدهما أي الملك، هل فهمت؟ لم يلق الجد أي ردّ، فحفيده كان قد غطّ في سبات عميق.